الأصل في اللباس الإباحة ، وذلك لأن الله تعالى يقول : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/29 .
وقد اختلف أهل العلم في حكم لبس الرجل ثلاثةً من الألوان :
1- اللون الأحمر الخالص الذي لم يخالطه غيره من الألوان.
والذي يظهر، والله أعلم: أن الأقرب هو جواز لبس الأحمر وإن لم يخالطه لون آخر ؛ لأن الأحاديث الواردة في جواز لبسه أصح من الواردة في النهي عنه .
ومما دل على جواز لبس الأحمر ما في “الصحيحين” عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعاً – متوسط القامة – , وقد رأيته في حُلةٍ حمراء ، لم أر شيئا قط أحسن منه صلى الله عليه وسلم” رواه البخاري (5400) ، ومسلم (4308) .
وروى البخاري في صحيحه (376) عن وهب بن عبد الله قال: (…. خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، مُشَمِّرًا ، صَلَّى إِلَى العَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ العَنَزَةِ).
ترجم عليه الإمام البخاري رحمه الله بقوله: “بَابُ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الأَحْمَرِ”.
وروى الإمام أحمد في مسنده (25/ 264) عن هلال بن عامر المزني، عن أبيه قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى على بغلة، وعليه برد أحمر”.
وما رواه الترمذي في سننه (3774) عن بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ…”.
فهذه الأحاديث تدل على جواز لُبْس الرجل للأحمر؛ إذ لو كان الرجل ممنوعا منه شرعا لما لبِسه النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد لبس الأحمر كثيرا، ويبعد منه صلى الله عليه وسلم أن يلبس ماهو منهي عنه شرعا.
قال ابن عابدين نقلا عن الشُّرُنْبُلَالِيِّ في رسالته (تُحْفَةَ الْأَكْمَلِ وَالْهُمَامِ الْمُصَدَّرِ لِبَيَانِ جَوَازِ لُبْسِ الْأَحْمَر)ِ :” وَوَجَدْنَا نَصَّ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عَلَى الْجَوَازِ وَدَلِيلًا قَطْعِيًّا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَهُوَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ بِأَخْذِ الزِّينَةِ وَوَجَدْنَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مُوجَبَهُ، وَبِهِ تَنْتَفِي الْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ، بَلْ يَثْبُتُ الِاسْتِحْبَابُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” انتهى من حاشية ابن عابدين (6/ 358).
وقال الحطاب في “مواهب الجليل في شرح مختصر خليل” (1/ 506): “وَأَمَّا الْأَحْمَرُ…. فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ” انتهى.
وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (14/ 33): “فإن الثوب الأحمر لا كراهة فيه، سواء كانت حمراء أم لا ، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء” انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن لبس الرجل الأحمر الخالص الذي ليس فيه شوائب.
فقال رحمه الله: كره بعض أهل العلم الأحمر الخالص الذي ليس فيه خلط، وبعضهم لم يكرهه؛ لإطلاق الأحاديث الأخرى في لبس الأحمر والأسود، وبعضهم كره الذي مشوب بالحمرة جدًّا ليس فيه خلط؛ لأحاديث وردت في ذلك.
السائل : والصواب ؟
الشيخ : الله أعلم، الذي يظهر أن لِبس الأحمر جائز؛ لأنها أصح، أحاديث لِبس الأحمر أصح وأثْبَت.
السائل : إذا كان الأحمر لباس شهرة ؟
الشيخ : لباس الشهرة ما يجوز أحمر ولا أخضر ولا أسود ولا أبيض”. انتهى
أما الأحمر الذي خالطه غيره فقد اتفقوا على جوازه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم:(8341) .
2- المصبوغ بالعِصْفر : ( والعصفر : نبات معروف يصبغ لونا أحمر ) .
3- المصبوغ بالزعفران : ( وهو نبات يعطي لونا أصفر ) .
والراجح في النوعين الثاني والثالث : التحريم . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (72878).
وما تبقى من غير هذه الألوان من الألبسة -ومنها اللون الوردي- لم يختلف أهل العلم في جوازها ، بل نقل بعضهم الاتفاق عليها ومن ذلك :
قال النووي “المجموع” (4/337) : ” يجوز لبس الثوب الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر والمخطط وغيرها من ألوان الثياب ، ولا خلاف في هذا ، ولا كراهة في شيء منه ” انتهى .
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (6/132-136) : ” اتّفق الفقهاء على جواز لبس الأصفر؛ ما لم يكن معصفراً أو مزعفراً ” انتهى .
والحاصل :
أنه لا حرج في لبس اللون الوردي للرجال من حيث الأصل ؛ ولكن إذا كان مختصا بالنساء في عرفكم؛ فيمنع لعلة التشبه بالنساء لا لغيرها.
ومثل ذلك إذا كان لباس شهرة في حق الرجل، سواء كانت الشهرة لأجل لونه الفاقع، أو لأجل هيئته؛ فيمنع منه لأجل الشهرة، لا لأجل خصوص اللون.
والله أعلم.